فصل: فَصْلٌ: الْحَالِفُ عَلَى الْهَدْمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ فَإِذَا حَلَفَ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ اسْمَهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفَ اسْمَهُ لَمْ يَعْرِفْهُ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «سَأَلَ رَجُلًا عَنْ رَجُلٍ، وَقَالَ لَهُ هَلْ تَعْرِفُهُ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ نَعَمْ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا اسْمُهُ؟ فَقَالَ لَا فَقَالَ إنَّك لَمْ تَعْرِفْهُ» وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ بِاسْمِهِ وَإِنْ عَرَفَهُ بِوَجْهِهِ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَمِنْ شَرْطِ حِنْثِهِ الْمَعْرِفَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يَحْنَثُ.
وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَلَا يَدْرِي مَا اسْمُهَا فَحَلَفَ إنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا قَالَ لَا يَحْنَثُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَخْرَجَهُ إلَى جَارٍ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ سَمَّاهُ بَعْدُ فَحَلَفَ جَارُهُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ هَذَا الصَّبِيَّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ بِمَعْرِفَةِ اسْمِهِ فَلَا يُعْرَفُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ.

.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ وَقَبْضِهِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ وَقَبْضِهِ وَقَضَائِهِ وَاقْتِضَائِهِ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَأْخُذَن مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ أَوْ لَيَقْبِضَن مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ فَأَخَذَ مِنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ وَكِيلُهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ ضَامِنٍ عَنْهُ أَوْ مُحْتَالٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بَرَّ لِأَنَّ حُقُوقَ الْقَضَاءِ لَا تَرْجِعُ إلَى الْفَاعِلِ فَتَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ فَكَأَنَّ قَبْضَ وَكِيلِ الطَّالِبِ قَبْضُهُ مَعْنًى وَكَذَا الْقَبْضُ مِنْ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ أَوْ كَفِيلِهِ أَوْ الْمُحْتَالِ بِأَمْرِهِ عَلَيْهِ قَبْضًا مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَوْ قَبَضَ مِنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ أَوْ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يَبَرَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ الْمَطْلُوبِ حَقَّهُ حَقِيقَةً فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ قَابِضًا عَنْهُ مَعْنًى فِي مَوْضِعِ الْآمِرِ وَجُعِلَ الْقَبْضُ مِنْ الْغَيْرِ كَالْقَبْضِ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ لَمْ تَكُنْ إضَافَتُهُ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى الدَّافِعِ إلَيْهِ بِمَا أَعْطَاهُ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَبْضُ حَقِّهِ فَلَمْ يَبَرَّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ فَحَلَفَ لَيَقْضِيَن فُلَانًا حَقَّهُ أَوْ لَيُعْطِيَن فَأَعْطَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِرَسُولٍ أَوْ بِإِحَالَةٍ أَوْ أَمْرِ مَنْ ضَمِنَهُ لَهُ فَأَخَذَهُ الطَّالِبُ بَرَّ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْقَضَاءِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْفَاعِلِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْآمِرِ.
فَكَانَ هُوَ الْقَاضِيَ وَالْمُعْطِيَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَنِثَ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّهُ وَلَا أَعْطَاهُ أَصْلًا وَرَأْسًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الدَّافِعُ إلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الْحَالِفُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَرَدْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِنَفْسِي كَانَ كَمَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ فَأَعْطَاهُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ حَنِثَ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ لَا أُعْطِيَهُ أَنَا بِنَفْسِي لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ وَدُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَطَاءَ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الْقَصْدِ فَتَنَاوَلَهُ الْيَمِينُ فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يُعْطِيَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَأَرَادَ التَّخْفِيفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ أَخَذَ بِهِ ثَوْبًا أَوْ عَرَضًا فَقَبَضَ الْعَرْضَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ لِلْمَالِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِأَخْذِ الْعِوَضِ كَمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِأَخْذِ نَفْسِ الْحَقِّ وَلَوْ حَلَفَ الطَّالِبُ لَيَأْخُذَن مَالَهُ مِنْهُ أَوْ لَيَقْضِيَنه أَوْ لَيَسْتَوْفِيَنه وَلَمْ يُوَقِّتْ وَقْتًا فَأَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَلَا اسْتِيفَاءٍ فَفَاتَ شَرْطُ الْبِرِّ فَحَنِثَ وَلَوْ كَانَ وَقَّتَ وَقْتًا فَقَالَ الْيَوْمَ أَوْ إلَى كَذَا وَكَذَا فَأَبْرَأَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا جَاوَزَ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمُوَقَّتَةَ يَتَعَلَّقُ انْعِقَادُهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَأَقْبِضَنَّ مِنْهُ دَيْنِي وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا وَتَنْعَقِدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَحْنَثُ.
أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ لَيَشْرَبَن الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأُهْرِيقَ الْمَاءُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ قَبَضَ الدَّيْنَ فَوَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً فَهُوَ قَبْضٌ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ عَلَى الدَّفْعِ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُمَا فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ فَوَقَعَ بِهِمَا الِاقْتِضَاءُ وَإِنْ كَانَتْ سَتُّوقَةً فَلَيْسَ هَذَا بِقَبْضٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِهَا فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّ الثَّوْبَ الَّذِي أَخَذَ عَنْ الدَّيْنِ بِعَيْبٍ أَوْ اُسْتُحِقَّ كَانَ قَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَانَ هَذَا قَبْضًا لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَكَذَا الْمُسْتَحَقُّ يَصِحُّ قَبْضُهُ ثُمَّ يَبْطُلُ لِعَدَمِ الْإِجَازَةِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ قَالُوا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنِهِ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْحَقِّ فَهُوَ قَابِضٌ لِدَيْنِهِ وَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ حَنِثَ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْقِيمَةُ لَا الْمُسَمَّى وَلَوْ غَصَبَ الْحَالِفُ مَالًا مِثْلَ دَيْنِهِ بَرَّ لِأَنَّهُ وَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ لَهُ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَتَّزِنْ مِنْ فُلَانٍ مَا لِي عَلَيْهِ أَوْ لَمْ أَقْبِضْ مَا لِي عَلَيْهِ فِي كِيسٍ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْبِضْ مَا لِي عَلَيْك دَرَاهِمَ أَوْ بِالْمِيزَانِ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْبِضْ دَرَاهِمَ قَضَاءً مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لِي عَلَيْك فَأَخَذَ بِذَلِكَ عَرَضًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُوزَنُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْوَزْنَ وَالْكِيسَ وَالدَّرَاهِمَ فَقَدْ وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ فَإِذَا أَخَذَ عِوَضًا عَنْهُ حَنِثَ.

.فَصْلٌ: الْحَالِفُ عَلَى الْهَدْمِ:

وَأَمَّا الْحَالِفُ عَلَى الْهَدْمِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَسَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَهْدِمَن هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ هَدَمَ سُقُوفَهَا بَرَّ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُزِيلَ اسْمَ الدَّارِ بِالْهَدْمِ لِأَنَّهُ لَوْ هَدَمَ جَمِيعَ بِنَائِهَا لَكَانَتْ بِذَلِكَ تُسَمَّى دَارَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْكَسْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حَلَفَ لَيَنْقُضَن هَذَا الْحَائِطَ أَوْ لَيَهْدِمَنهُ الْيَوْمَ فَنَقَضَ بَعْضَهُ أَوْ هَدَمَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَهْدِمْ مَا بَقِيَ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ يَحْنَثُ قَالَ وَالْهَدْمُ عِنْدَنَا أَنْ يَهْدِمَ حَتَّى يُبْقِيَ مِنْهُ مَا لَا يُسَمَّى حَائِطًا لِأَنَّ الْحَائِطَ يُمْكِنُ هَدْمُهُ حَتَّى يُزِيلَ الِاسْمَ عَنْهُ فَوَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنْ نَوَى هَدْمَ بَعْضِهِ صُدِّقَ دِيَانَةً لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى هَدْمًا بِمَعْنَى الْكَسْرِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَيَكْسِرَن هَذَا الْحَائِطَ فَكَسَرَ بَعْضَهُ بَرَّ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ حَائِطٌ مَكْسُورٌ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا يُزِيلُ بِهِ اسْمَ الْحَائِطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هاهنا أَلْفَاظًا ثَلَاثَةً الْهَدْمُ وَالنَّقْضُ وَالْكَسْرُ وَالْمَسَائِلُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى كُلِّ لَفْظٍ فَالْهَدْمُ اسْمٌ لِإِزَالَةِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْبِنَاءِ فَإِنْ فَعَلَ فِي الْحَائِطِ فِعْلًا يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ بَعْدَهُ مَا يُسَمَّى مَبْنِيًّا حَنِثَ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِلشَّيْءِ مَعَ وُجُودِ مَا يُضَادُّهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَا يُسَمَّى مَبْنِيًّا بَرَّ لِتَحْقِيقِهِ فِي نَفْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} وَالْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِئْصَالُهَا لَا إحْدَاث صَدْعٍ أَوْ وَهَنٍ فِي أَبْنِيَتِهَا وَكَذَلِكَ النَّقْضُ يُقَالُ فُلَانٌ نَقَضَ بَيْتَهُ كَذَا أَيْ أَزَالَهَا وَلَوْ نَقَضَ بَعْضَ الْحَائِطِ أَوْ هَدَمَ بَعْضَهُ.
وَقَالَ عَنَيْت بِهِ بَعْضَهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَالْكَسْرُ عِبَارَةٌ عَنْ إحْدَاثِ صَدْعٍ أَوْ شَقٍّ فِيمَا صَلُبَ مِنْ الْأَجْسَامِ بِمَنْزِلَةِ الْخَرْقِ فِيمَا اسْتَرْخَى مِنْهَا فَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ هَذَا فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ بَقِيَ التَّرْكِيبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ قَالَ الْمُعَلَّى سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَضْرِبَنهَا حَتَّى يَقْتُلَهَا أَوْ حَتَّى تُرْفَعَ مَيِّتَةً وَلَا نِيَّةَ لَهُ قَالَ إنْ ضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا كَأَشَدِّ الضَّرْبِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْعَادَةِ شِدَّةُ الضَّرْبِ دُونَ الْمَوْتِ قَالَ فَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهَا حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهَا أَوْ حَتَّى تَبُولَ فَمَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ هَذَا يَحْدُثُ عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرْبِ غَالِبًا فَيُرَاعَى وُجُودُهُ لِلْبِرِّ.
وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَن غُلَامَهُ فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَهُ فِي كُلِّ مَا شُكِيَ بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الضَّرْبُ عِنْدَ كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُو مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا يَكُونُ عِنْدَ الشِّكَايَةِ فَإِذًا يَكُونُ الْمَوْلَى فِي ضَرْبِهِ أَبَدًا فَحُمِلَ الضَّرْبُ عَلَى الشِّكَايَةِ لِلْعُرْفِ وَلَا يَكُونُ الضَّرْبُ فِي هَذَا عِنْدَ الشِّكَايَةِ أَيْ لَا يُحْمَلُ الضَّرْبُ عَلَى فَوْرِ الشِّكَايَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْوَاقِعَةَ عَلَى فِعْلٍ مُطْلَقٍ عَنْ زَمَانٍ لَا تَتَوَقَّتُ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ بَلْ تَقَعُ عَلَى الْعُمْرِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِهِ الْحَالَ فَيَكُونَ قَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ شُكِيَ إلَيْهِ فَضَرَبَهُ ثُمَّ شُكِيَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ مَرَّةً أُخْرَى وَالْمَوْلَى يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهُ لِلشِّكَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ ضَرَبَهُ فِيهَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ الَّذِي وَقَعَتْ الشِّكَايَةُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ فِي الْعُرْفِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَخْبَرْتنِي بِكَذَا فَلَكَ دِرْهَمٌ فَأَخْبَرَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي إخْبَارًا كَالْأَوَّلِ كَذَا هَذَا.
وَقَالَ الْمُعَلَّى سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَيَقْتُلَن فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا نَوَيْت أَنْ آلِي عَلَى نَفْسِي بِالْقَتْلِ قَالَ أَدِينُهُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا تَشْدِيدَ الْقَتْلِ دُونَ تَكَرُّرِهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى أَتْرُكَك لَا حَيَّةً وَلَا مَيِّتَةً فَهَذَا عَلَى أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا يَوْجَعُهَا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَرَّ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا حَيَّةً سَلِيمَةً وَلَا مَيِّتَةً وَذَلِكَ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَقَدْ سَمِعَ فُلَانًا يُطَلِّق امْرَأَتَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ وَقَدْ سَمِعَهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ حُكْمَ الثَّلَاثِ حُكْمُ الْأَلْفِ فِي الْإِيقَاعِ وَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِمِثْلِهِ أَكْثَرُ عَدَدِ الطَّلَاقِ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَقِيَ فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ وَقَدْ لَقِيَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَلْفَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ كَثْرَةَ اللِّقَاءِ وَلَمْ يُرِدْ الْعَدَدَ إنِّي أَدِينُهُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُذْكَرُ فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ لِلتَّكْثِيرِ دُونَ الْعَدَدِ الْمَحْصُورِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ السَّبْعِينَ بَلْ ذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلتَّكْثِيرِ كَذَا هَذَا.
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْتُلُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ بِالْكُوفَةِ فَضَرَبَهُ الْحَالِفُ بِبَغْدَادَ فَمَاتَ بِالْكُوفَةِ أَوْ زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ امْرَأَةً كَبِيرَةً بِبَغْدَادَ فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ بِالْكُوفَةِ فَأَجَازَتْ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى الزَّمَانِ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ أَجَازَتْ النِّكَاحَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَنِثَ الْحَالِفُ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ لَيَفْعَلَن ذَلِكَ بِالْكُوفَةِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ قَتْلٌ إنْ وُجِدَ بِبَغْدَادَ وَيَوْمَ السَّبْتِ لَكِنَّهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَوْصُوفًا بِالْإِضَافَةِ وَقْتَ ثُبُوتِ أَثَرِهِ وَهُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ وَذَلِكَ وُجِدَ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَنَظِيرُهُ لَوْ قَالَ إنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى لِفُلَانٍ ابْنًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَحَصَلَ لَهُ وَلَدٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ خَلْقُ اللَّهِ أَزَلِيًّا لَكِنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَخْلُوقِ إنَّمَا تَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِ أَثَرِهِ وَهُوَ وُجُودُ الْوَلَدِ كَذَا هاهنا وَالنِّكَاحُ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ الْحِلِّ وَذَلِكَ إنَّمَا يُوجَدُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ثُمَّ بَلَغَ الْمَوْلَى فَأَجَازَ فَإِنَّهُ مُشْتَرَى يَوْمَ أَجَازَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَوْمُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَالْفَاسِدِ إنَّهُ بَائِعٌ يَوْمَ بَاعَ وَمُشْتَرٍ يَوْمَ اشْتَرَى وَقَالَ فِي الْقَتْلِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ إنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِجَازَةِ وَلَوْ كَانَتْ الضَّرْبَةُ قَبْلَ الْيَمِينِ وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ وُجِدَ الْقَتْلُ الْمُضَافُ إلَى الْمُخَاطَبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا يُتَصَوَّرُ امْتِنَاعُهُ عَنْ اتِّصَافِهِ بِصِفَةِ الْإِضَافَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إذْ مَقْصُودُ الْحَالِفِ الْبِرُّ لَا الْحِنْثُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَأَخَذَ فِي النُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحْنَثُ فَإِنْ وَجَدَ السُّكْنَى وَعَرَفَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ قَتْلٍ مُضَافٍ إلَى مُخَاطَبٍ بَاشَرَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَجَاءَ غَدٌ فَطَلُقَتْ لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاءَ غَدٌ وَطَلُقَتْ عَتَقَ عَبْدَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى كَذَا هَذَا.

.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى الْمُفَارَقَةِ وَالْوَزْنِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْمُفَارَقَةِ وَالْوَزْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا عَلَيْهِ وَاشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ فَارَقَهُ حَنِثَ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا فَإِنْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا مِنْ غَيْرِ بَرَاءَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثُمَّ فَارَقَهُ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ بِحَالِهِ لَمْ يُسْتَوْفَ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَا يَبَرَّ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَحَنِثَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى امْرَأَةٍ دَيْنٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ وَفَارَقَهَا وَكَانَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ جَائِزَةً فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالنِّكَاحِ مِثْلُ دَيْنِهِ وَصَارَ قِصَاصًا فَجُعِلَ مُسْتَوْفِيًا وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَنِثَ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا وَسَقَطَ مَهْرُهَا وَفَارَقَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَهْرَ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ قَدْ سَقَطَ وَإِنَّمَا عَادَ لَهُ دَيْنٌ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ انْحِلَال الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لِيَزِنَن مَا عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ عَدَدًا فَكَانَتْ وَازِنَةً حَنِثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى الْوَزْنِ وَالْوَزْنُ فِعْلُهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ.
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضَن مَا لِي عَلَيْك إلَّا جَمِيعًا وَلَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الطَّالِبِ لِرَجُلٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَأَمَرَ الَّذِي لَهُ الْخَمْسَةُ هَذَا الْحَالِفَ أَنْ يَحْتَسِبَ لِلْمَطْلُوبِ بِالْخَمْسَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَجَعَلَهَا قِصَاصًا وَدَفَعَ فُلَانٌ الْمَطْلُوبَ إلَى الْحَالِفِ خَمْسَةً فَكَأَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ مُتَوَافِرًا فَهُوَ جَائِزٌ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ دَفْعَةً وَاحِدَةً يَقَعُ عَلَى الْقَبْضِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ يُعْرَفَ الْوَزْنُ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مَالًا كَثِيرًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ فِي وَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ قَبَضَ الْخَمْسَةَ حَقِيقَةً وَالْخَمْسَةَ بِالْمُقَاصَّةِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آخُذُ مَا لِي عَلَيْك إلَّا ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَوَزَنَ خَمْسَمِائَةٍ وَأَخَذَهَا ثُمَّ وَزَنَ خَمْسَمِائَةٍ قَالَ فَقَدْ أَخَذَهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ مُتَفَرِّقًا قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ يَزِنُهَا دِرْهَمًا دِرْهَمًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَخَذَهَا الْيَوْمَ مِنْك دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى أَخْذِ الْأَلْفِ مُتَفَرِّقَةً فِي الْيَوْمِ وَلَمْ يَأْخُذْ الْأَلْفَ بَلْ بَعْضَ الْأَلْفِ وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَخَذَ مِنْهَا الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَحْنَثُ حِينَ أَخْذِ الْخَمْسَةِ لِأَنَّ يَمِينَهُ مَا وَقَعَتْ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا بَلْ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَخَذَهَا الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بَعْضَهَا وَفِي آخِرِ النَّهَارِ الْبَاقِيَ حَنِثَ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَخْذَ إلَى الْكُلِّ وَقَدْ أَخَذَ الْكُلَّ فِي يَوْمٍ مُتَفَرِّقًا.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا لَهُ عَلَيْهِ فَهَرَبَ أَوْ كَابَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ إنْسَانٌ كُرْهًا حَتَّى ذَهَبَ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ مُفَارَقَتُهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلُ الْمُفَارَقَةِ وَلَوْ كَانَ قَالَ لَا تُفَارِقْنِي حَتَّى آخُذَ مَا لِي عَلَيْك حَنِثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ الْغَرِيمِ وَقَدْ وُجِدَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى مَا يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْحَالِفِ بِمِلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى مَا يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْحَالِفِ بِمِلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ وَإِمَّا أَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالْإِضَافَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةَ نِسْبَةٍ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ فَإِنْ اقْتَصَرَ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْإِضَافَةِ وَالْإِضَافَةُ إضَافَةُ مِلْكٍ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا فِي مِلْكِ فُلَانٍ يَوْمَ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْنَثَ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَضَافَهُ إلَى مِلْكِ فُلَانٍ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَشْرَبُ شَرَابَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا فِي مِلْكِهِ ثُمَّ اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فِيهَا هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَاتِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْإِضَافَةَ إذَا كَانَتْ فِيمَا يُسْتَحْدَثُ الْمِلْكُ فِيهِ حَالًا فَحَالًا فِي الْعَادَةِ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَقَعُ عَلَى مَا فِي مَلَكَهُ يَوْمَ فَعَلَ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالدُّهْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِضَافَةُ فِيمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ الْمِلْكُ وَلَا يُسْتَحْدَثُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَادَةً فَالْيَمِينُ عَلَى مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَ فُلَانَةَ أَوْ امْرَأَةَ فُلَانٍ أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ أَوْ ابْنَ فُلَانٍ أَوْ أَخ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا تَقَعُ عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ وَالصَّدَاقَةِ وَالْوَلَدِ فَفَرَّقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي النَّوَادِرِ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْوُجُودَ حَقِيقَةً إذْ الْمَوْجُودُ يُضَافُ لَا الْمَعْدُومُ فَلَا تَقَعُ يَمِينُهُ إلَّا عَلَى الْمَوْجُودِ يَوْمَ الْحَلِفِ وَلِهَذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَوْجُودِ فِي إحْدَى الْإِضَافَتَيْنِ وَهِيَ إضَافَةُ النِّسْبَةِ كَذَا فِي الْأُخْرَى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ أَنَّ فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَذْكُورٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا عَنْ الْجِهَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَيْهِ بِمِلْكٍ كَانَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَوْ بِمِلْكٍ اُسْتُحْدِثَ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَدْ وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ عِنْدَ الْفِعْلِ فَيَحْنَثُ وَفِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ قَامَ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَهِيَ أَنَّ أَعْيَانَهُمْ مَقْصُودَةٌ بِالْيَمِينِ لِأَجْلِهِمْ عُرْفًا وَعَادَةً لِمَا تَبَيَّنَ فَانْعَقَدَتْ عَلَى الْوُجُودِ وَصَارَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُمْ بِأَسَامِيهِمْ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ فَأَمَّا الْمِلْكُ فَلَا يُقْصَدُ بِالْيَمِينِ لِذَاتِهِ بَلْ لِمَالِكٍ فَيَزُولُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَأَبُو يُوسُفَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ ادَّعَى تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالْعُرْفِ.
وَقَالَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ فِي الدَّارِ وَنَحْوِهَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ النُّدْرَةِ حَتَّى يُقَالَ الدَّارُ هِيَ أَوَّلُ مَا يُشْتَرَى وَآخِرُ مَا يُبَاعُ وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِالْعُرْفِ جَائِزٌ فَتَقْيِيدُ الْيَمِينِ فِيهَا بِالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحَلِفِ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ اسْتِحْدَاثَ الْمِلْكِ فِيهَا مُعْتَادٌ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ دَعْوَى الْعُرْفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِعَادَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لِأَنَّ كُلَّ إضَافَةٍ تُقَدَّرُ فِيهَا اللَّامُ فَكَانَ الْفَصْلَانِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى الِاخْتِلَافِ ثُمَّ فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ الْحَالِفِ وَقْتَ الْحَلِفِ فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ فَعَلَ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَأَمَّا) فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَبَانَتْ مِنْهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَحْنَثُ.
وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحَلِفِ فَحَصَلَ تَعْرِيفُ الْمَوْجُودِ بِالْإِضَافَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْعُرْفِ لَا بِالْإِضَافَةِ وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ تَكْلِيمِ امْرَأَةٍ لِمَعْنًى فِيهَا وَقَدْ يَمْنَعُ مِنْ تَكْلِيمِهَا لِمَعْنًى فِي زَوْجِهَا فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ مَعَ لِاحْتِمَالِ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمِلْكِ وَالْإِشَارَةِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ لَا أَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ هَذَا فَبَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ أَوْ دَابَّتَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَكَلَّمَ أَوْ دَخَلَ أَوْ رَكِبَ أَوْ لَبِسَ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءِ خَاصَّةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ مَا دَامَتْ مِلْكًا لِفُلَانٍ فَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْإِشَارَةَ وَالْإِضَافَةَ جَمِيعًا وَقْتَ الْفِعْلِ لِلْحِنْثِ فَمَا لَمْ يُوجَدَا لَا يَحْنَثُ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْإِشَارَةَ دُونَ الْإِضَافَةِ وَأَمَّا فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْإِضَافَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ لِلْحِنْثِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ هَذَا فَبَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ فَكَلَّمَ يَحْنَثُ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ أَنَّ الْإِضَافَةَ وَالْإِشَارَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهَا تُخَصِّصُ الْعَيْنَ وَتَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فَتَلْغُو الْإِضَافَةُ كَمَا فِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا شَاخَ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ الْحَالِفَ لَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالْإِشَارَةِ لَزِمَ اعْتِبَارُهُمَا مَا أَمْكَنَ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ مَا أَمْكَنَ وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ هاهنا مَعَ وُجُودِ الْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ الْمَحْلُوفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ شَيْءٍ مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِالْيَمِينِ إلَّا لِدَاعٍ يَدْعُوهُ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْأَعْيَانُ لَا تُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي الْمَالِكِ أَمَّا الدَّارُ وَنَحْوُهَا فَلَا شَكَّ فِيهِ وَكَذَا الْعَبْدُ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِخَسَّتِهِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ مَوْلَاهُ وَقَدْ زَالَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَالِكِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَهْمَا دَامَتْ لِفُلَانٍ مِلْكًا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ لِأَنَّهُمَا يُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ لِأَنْفُسِهِمَا فَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِذَاتَيْهِمَا وَالذَّاتُ لَا تَتَبَدَّلُ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْمُعَادَاةِ فَيَحْنَثُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا صَارَ شَيْخًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَ الطَّيْلَسَانَ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ لِأَنَّ الطَّيْلَسَانَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ ذَاتُ صَاحِبِهِ وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّ فُلَانٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ غِلْمَانَهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا آكُلُ أَطْعِمَةَ فُلَانٍ أَوْ لَا أَشْرَبُ أَشْرِبَةَ فُلَانٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْعِمَةٍ وَثَلَاثَةِ أَشْرِبَةٍ لِمَا قُلْنَا وَيُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ فِيهَا وَقْتَ الْفِعْلِ لَا وَقْتَ الْحَلِفِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت جَمِيعَ مَا فِي مِلْكِهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ وَذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ مَا تَلَفَّظَ بِهِ فَيُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَنَوَى الْجَمِيعَ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى إخْوَةِ فُلَانٍ أَوْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ نِسَاءِ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ مِنْهُمْ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْحَلِفِ لِأَنَّ هَذِهِ إضَافَةُ نِسْبَةٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُحْصَى فَالْيَمِينُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ وَيُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ فَكَانَ كَالْمُعَرَّفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْصَى إلَّا بِكِتَابٍ حَنِثَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِغْرَاقُ الْجِنْسِ فَيُصْرَفُ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَمِمَّا يُجَانِسُ مَسَائِلَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مَا قَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ سَأَلْت أَسَدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ بِنْتًا لِفُلَانٍ فَوُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ وَلَا بَنَاتَ لَهُ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ بَقَرَةِ فُلَانٍ وَلَا بَقَرَةَ لَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بَقَرَةً فَشَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِك فَبَلَغَ فَوُلِدَ لَهُ فَتَزَوَّجَ مِنْهُنَّ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟، وَقَالَ لَا آكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ شَجَرَةِ فُلَانٍ وَلَا شَجَرَةَ لِفُلَانٍ ثُمَّ اشْتَرَى شَجَرَةً فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا قَالَ أَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ بَقَرَةِ فُلَانٍ وَلَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ شَجَرَةِ فُلَانٍ فَلَا يَحْنَثُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتًا مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ أَوْ بِنْتًا لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَتَلْزَمُهُ الْيَمِينُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَلَفَ يَوْمَ حَلَفَ عَلَى مَا لَمْ يُخْلَقْ حَالَ حَلَفَ وَسَأَلْت الْحَسَنَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ يَقْتَضِي بِنْتًا مَوْجُودَةً فِي الْحَالِ فَلَمْ تُعْقَدْ الْيَمِينُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَإِذَا قَالَ بِنْتًا لِفُلَانٍ فَقَدْ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى الْإِضَافَةِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهَا يَوْمَ الْحَلِفِ كَقَوْلِهِ عَبْدًا لِفُلَانٍ وَأَمَّا أَسَدٌ فَاعْتَبَرَ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْيَمِينِ فَمَا كَانَ مَعْدُومًا لَا تَصِحُّ الْإِضَافَةُ فِيهِ فَلَا يَحْنَثُ.
وَقَالَ خَلَفٌ سَأَلْت أَسَدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ وَلَيْسَ لِلدَّارِ أَهْلٌ ثُمَّ سَكَنَهَا قَوْمٌ فَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ قَالَ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِي وَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ اعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ.